تقدير المصلحة الفضلى للطفل عند الطلاق.
الطلاق من أصعب القرارات التي يمكن اتخاذها لما فيه من تأثير على الأسرة بصفة عامة وعلى الطفل بصفة خاصة. حيث أن بعض الأزواج يتراجعون عن قرارهم في الطلاق لعدم تشتيت العائلة وحماية طفلهم. فالأسرة هي التي تتشكل من خلالها شخصية الطفل وتقوّم سلوكه وقرار الطلاق يمكن أن يؤثر على نفسيته فيما بعد. لذلك انه من الضروري أن يتم تقدير مصلحة الطفل الفضلى في جميع المسائل التي تتعلق به ويجب أن يتم التعامل مع هذا القرار بحذر وعناية خاصة.
وحيث أنه لا ننكر أن الطلاق يتناقض مع مصلحة الطفل الفضلى من حيث المبدأ، لكن المشرع التونسي عمل على حمايته خلال فترة الطلاق وكرس فصولا ضمن مجلة الأحوال الشخصية ومجلة حماية الطفل التي نصت في فصلها الرابع على أنه: ” يجب اعتبار مصلحة الطفل الفضلى في جميع الإجراءات التي تتخذ في شأنه سواء من قبل المحاكم أو السلطات الإدارية أو مؤسسات الرعاية الإجتماعية العمومية أو الخاصة. ويراعى، علاوة على حاجيات الطفل الأدبية والعاطفية والبدنية، سنه وصحته ووسطه العائلي وغير ذلك من الأحوال الخاصة بوضعه.. ” كما أن الدولة التونسية صادقت على اتفاقية حقوق الطفل بمقتضى قانون عدد 92 لسنة 1991 والمؤرخ في 29 نوفمبر 1991 ويدخل هذا ضمن إعطاء أكثر حماية للطفل وتكريسا لحقوقه.
والمقصود بالطفل هو: “كل إنسان عمره أقل من ثمانية عشر سنة، ما لم يبلغ سن الرشد بمقتضى أحكام خاصة” وهذا يعني أن النظر في مصلحة الطفل الفضلى يعود بالأساس لسنه خاصة وأنه يمكن اعتبار هذه المرحلة من العمر هي فترة تكوين وتقويم للسلوك.
ويطرح التساؤل في هذا المستوى حول من هو الطرف المخول له تقدير المصلحة الفضلى للطفل وكيفية تقديرها خلال فترة الطلاق؟
مما لا شك فيه فان هذا التساؤل يتم طرحة قبل اتخاذ قرار الطلاق من قبل الزوجين أو يمكن حتى أن يطرح بعض الخلافات فكل طرف يعتبر نفسه هو الأقدر في تقدير هذه المصلحة، لكن في حقيقة الأمر هذا أمر ليس موكول للزوجين. فعندما يتم اتخاذ قرار الطلاق، فالقاضي هو الذي لديه السلطة التقديرية في تقدير وتحديد أين تكمن مصلحة الطفل والتي تتمثل في النظر في المسائل التي تهم نفقته ومسكنه وحضانته.
-
القاضي هو الذي يقدر مصلحة الطفل الفضلى عند قيام النزاع
عند قيام النزاع يسعى القاضي في بادئ الأمر إلى النظر في المسائل التي تتعلق بالنفقة والسكن والحضانة وتسمى هذه القرارات التي يتخذها قاضي الأسرة بالقرارات الفورية. وسميت بالفورية لأنه يتم تنفيذها حالا وهي قرارات يتم اتخاذها خلال الجلسة الصلحية الأولى وذلك لضمان تحقيق مصلحة الطفل الفضلى ولما تحمله هذه المسائل من أهمية على المستوى الصحي، التعليمي والنفسي للطفل خلال.
فبالنسبة للنفقة، يسعى القاضي الى النظر لهذه المسألة لأنها تحمل صبغة معاشية، فلا بد ألا يحرم الطفل من حقه في الانفاق عليه وتوفير له المأكل والملبس. حيث أن اتخاذ قرار الطلاق و البدأ في الإجراءات لا يحرمه من بعض حقوقه خاصة و أن هذا الطفل يتمتع بحماية قانونية نظرا لسنه و صعوبة القرار الذي تم اتخاذه من قبل الوالدين. فمن واجب الأب الانفاق على أبنائه القصر وهو ما نص عليه الفصل 46 من مجلة الأحوال الشخصية حيث: ” يستمر الإنفاق على الأبناء حتى بلوغ سن الرشد”.
وعند تحديد مبلغ النفقة يأخذ القاضي بعين الاعتبار الحالة المادية للأب وعلى حسب المعيشة التي كان يتمتع بها الطفل فلا يمكن أن يصدر قاضي الأسرة قرارا في إعطاء نفقة للطفل لا تفي بحاجياته ولا تغطيها بصفة شاملة و له مراجعتها بالزيادة أو النقصان و ذلك بالنظر إلى مصلحة الطفل.
أما بالنسبة للسكن، فالقاضي في هذه المرحلة يحدد منحة للسكن وهي منحة تعود بالأساس للطفل القاصر حيث الاب مجبور على إسكان الحاضنة مع طفلها في مسكن ,سواء نفس المنزل الذي يتواجدان فيه قبل اتخاذ قرار الطلاق أو منزل آخر ويقدر دائما مصلحة الطفل الفضلى في ذلك. فمثلا إذا كان الأب يملك منزلا, فعليه أن يبقي ابنه والحاضنة في نفس ذلك المنزل وهو ما نص عليه الفصل 56 من مجلة الأحوال الشخصية الذي ألزم الأب بإسكان الحاضنة مع المحضون داخل المنزل الذي هو على ملكه وحق ابقائها فيه أو آداء معينات الكراء إذا لم يكن على ملكه. وللقاضي السلطة التقديرية في تحديد هذه المنحة بالنظر دائما إلى مصلحة الطفل الفضلى فيتم تقديرها حسب حاجيات المحضون. كما أن القاضي يقوما بمراعاة مصلحة المحضون عند طلب مراجعة قرار سكنى المحضون.
ولا يتوقف تقدير مصلحة الطفل الفضلى من قبل قاضي الأسرة عند الطلاق فقط حول مسألة النفقة والسكن ولكن يتعدا ذلك إلى مسألة الحضانة حيث أنه في معظم الأحيان تكون الحضانة موكولة للأم خاصة وأنها التي تحسن الرعاية وأنه في مرحلة معينة من العمر لا يمكن فصل الطفل عن أمه وانه في حاجة لها وهذا لا يعني أنه سيتم ابعاد الطفل عن والده فله الحق في الزيارات. فرغم انعدام الرابطة الزوجية فإن القاضي يسعى إلى المحافظة على العلاقة الوثيقة بين الطفل ووالديه. ويمكن أيضا للقاضي أن يمنح الحضانة لشخص آخر غير الأم مثل الأب أو الجدة أو غيرهما ممن رأى فيهم القاضي القدرة على تربية الطفل مع مراعاة مصلحته في ذلك.
هذه القرارات الفورية التي يتخذها القاضي خلال قيام النزاع تهدف إلى حماية الطفل وتقدير مصلحته الفضلى، فرغم قرار الطلاق فإن القاضي يسعى إلى توفير بيئة آمنة ومستقرة للطفل حتى بعد الطلاق.
2. القاضي هو الذي يقدر مصلحة الطفل الفضلى بعد إيقاع الطلاق
النظر في مصلحة الطفل الفضلى وتقديرها لا يتوقف فقط عند مرحلة ما قبل إيقاع الطلاق، لكن يمكن للقاضي أن ينظر لهذه المصلحة بعد الطلاق وذلك من خلال إمكانية اسقاط الحضانة لانتفاء احدى شروطها والتي جاءت ضمن الفصل 58 من مجلة الأحوال الشخصية و الذي نص على أنه : ” يشترط في مستحق الحضانة أن يكون مكلفا أمينا قادرا على القيام بشؤون المحضون سالما من الأمراض المعدية و يزاد إذا كان مستحق الحضانة ذكرا أن يكون عنده من يحضن من النساء و أن يكون محرما بالنسبة للأنثى و إذا كان مستحق الحضانة أنثى فيشترط أن تكون خالية من زوج دخل بها ما لم ير الحاكم خلاف ذلك اعتبار لمصلحة المحضون أو إذا كان الزوج محرما للمحضون أو وليا له أو يسكت من له الحضانة مدة عام بعد علمه بالدخول و لم يطلب حقه فيها أو أنها كانت مرضعا للمحضون أو كانت أما وولية عليه في آن واحد “.
كما أنه لا بد ألا ننكر الدور الفعال لمندوب حماية الطفولة خلال هذا المستوى والذي يساهم في تفعيل هذه المصلحة و العمل على حماية الطفل من خلال بعض التدابير التي يمكن أن يتخذها لحماية الطفل من الإهمال أو التشرد أو العمل على توفير الرعاية النفسية و الاجتماعية له و ذلك باعلام القاضي و الذي له السلطة التقديرية في تقدير مصلحة الطفل الفضلى.
فيمكن للقاضي أن ينزع الحضانة عندما يرى في ذلك مصلحة للطفل فمثلا عندما “تسافر الحاضنة سفر نقلة مسافة يعسر معها على الولي القيام بواجباته نحو منظوره سقطت حضانتها” وهو ما جاء به الفصل 61 من مجلة الأحوال الشخصية وبذلك بطلب من الأب لأنه لم يعد قادرا على زيارة ابنه في الأوقات التي حددها له القاضي. فالمحافظة على العلاقة بين الطفل ووالديه وضمان استقراره النفسي حتى بعد الطلاق من مشمولات قاضي الأسرة الذي يعمل على تقدير مصلحة الطفل في ذلك.
حق الزيارة خوله المشرع للأب أو الولي غير الحاضن وأسنده له القاضي بمقتضى حكم قضائي ويعود هذا الحق بالأساس إلى عدم قطع الروابط الأسرية حتى بعد الحكم بالطلاق. ولا بد أن لا يتعسف الشخص غير الحاضن في هذا الحق لأنه يمكن أن يكون عرضة للتتبعات العدلية من أجل جريمة عدم احضار محضون.
وأخيرا لابد من التأكيد على أن مصلحة الطفل الفضلى عند الطلاق تأتي فوق كل اعتبار.